محاضرات

أوضاع الإمام الحسين بعد استشهاد أبيه

أوضاع الإمام الحسين بعد استشهاد أبيه

 

لم يكن الإمام الحسين(ع) في صباه بعيداً عن الأجواء السياسية التي أحاطت بأبيه المظلوم الذي اغتُصب حقه ولم يستطع فعل شيء بسبب الأوضاع الحساسة التي كانت تمر بها الأمة الإسلامية آنذاك حيث سيطرت الأطماع على الساحة وألغت جميع القيم وذهبت بكل المبادئ فلم يكن هم أحدهم سوى السلطة وإن لم تكن شرعية، بل حتى ولو كان فيها دمار شامل للدين وأهله.

لقد عايش الإمام الحسين(ع) جميع المراحل المؤلمة والظروف القاسية التي أحاطت بأهل بيت النبوة بعد ارتحال الرسول إلى الرفيق الأعلى حيث انقض الناس عليهم والرسول مسجى بين أيديهم فتركوه في أحضان علي ثم راحوا في سقيفتهم المشؤومة يتقاسمون إرث النبوة فوضعوا علياً تحت الإقامة الجبرية بعد أن اغتصبوا حقه وتكالبوا على دار الزهراء(ع) فاقتحموه وأسقطوا جنينها وكسروا ضلعها وأمير المؤمنين مأمور بأن لا يحرك ساكناً بغية الحفاظ على هذا الدين الذي أنزله الله رحمة للناس.

هذا والإمام الحسين(ع) يرى كل ذلك وتقتله حرقة الأذى حتى فُجع بموت أمه المظلومة التي فارقت الحياة في مقتبل العمر بسبب الأذى الذي لحق بها من القوم.

لقد أوصت علياً بأن يدفنها ويخفي قبرها وإن لهذه الوصية احتمالات كثيرة لا يمكن الجزم بأي احتمال لأن المعصومين أعرف من غيرهم بالحكمة والمصلحة.

وهنا أوصي الجميع بأن يحفظوا كلام الزهراء الذي نبع من قلب سليم لا يرى سوى الله تعالى حيث ألقت خطبة عظيمة بينت فيها مظلوميتها ومظلومية زوجها بالأدلة القاطعة التي لا ينكرها إلا معاند، ورغم ذلك بقي القوم مصرين على الكفر والعناد والعمل المستمر في ظلم أهل بيت النبوة.

بعد تلك الحادثة المؤلمة التي عاشها الإمام الحسين(ع) لحظة بلحظة أجبر الإمام علي الخليفة الشرعي على المكوث في بيته دون أن يتدخل في شؤون السياسية العامة والخاصة، ولكنه لم يسكت يوماً عن الظلم والجور بل بقي يواجههم بالقدر المتاح له ويعمل على حل مشاكل الناس الدينية والأخلاقية والإجتماعية ويحافظ على دين الله من بعيد، وقد استمرت هذه المحنة ما يقرب من ربع قرن حتى مات الظالموت ورجعت الخلافة إلى أهلها فذهب الإمام إلى العراق ليدير شؤون الأمة من هناك فسكن بيتاً متواضعاً ولم يدخل قصر الإمارة قط، وهنا بدأت المراحل الصعبة التي كان للإمام الحسين(ع) دور بارز فيها.

لقد كان الحسين في شبابه بطلاً مقداماً حكيماً يهابه كبار القوم ويخشون قوته حيث كان كأبيه في الحرب والسلم وقد شارك أباه علياً في حروبه الثلاث الكبرى الجمل وصفين والنهروان وقد كان له دور في صناعة النصر آنذاك، وقد شارك أباه في إدارة شؤون الأمة عبر سنين طويلة حتى استشهد الإمام علي على يد عبد الرحمن بن ملجم في مسجد الكوفة.

فالحسين(ع) عظيم في جميع مراحل حياته بدءاً من عبادته ومروراً بأخلاقه وسخائه وعظيم خُلقه الرفيع وهذا ما يجب الوقوف عليه حتى نتمكن من كشف تلك الشخصية من جميع نواحيها.

“جاء عبد الله بن قيس مع نفر من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) إلى الإمام وقال له: يا أمير المؤمنين..الجنود عطشى وليس عندهم قطرة ماء، فما العمل؟

وقال رجل من أصحاب أمير المؤمنين: صدق عبد الله بن قيس فإن أصحاب معاوية قد استولوا على الماء ومنعونا من الإقتراب منه، وقال عبد الله: لقد صدّ أبو أيوب ورجاله كل هجماتنا ولم يعد أحد منا يجرؤ على الدنو من الماء، فقال الإمام علي(ع): ولدي حسين..إمض أنت، وما أن دنا الإمام الحسين(ع) من الميدان حتى فرّ أبو أيوب وجنوده هاربين من شجاعة الحسين وقوته الباهرة تاركين بئر الماء، فنصب الإمام(ع) خيمة واستقر بالجنود هناك، ثم أتي رجل إلى أمير المؤمنين علي(ع) وأخبره بما صنعه ولده الحسين بأبي أيوب وجنوده وقال: يا أمير المؤمنين لقد انتصر الحسين وبلغنا الماء، فقال(ع): كنت أعلم أنه سيفعل ذلك، ثم أخذ(ع) يبكي، فقال الرجل: وما يبكيك يا أمير المؤمنين، هذا أول فتح ببركة الحسين؟ فقال(ع): ذكرت أنه سيُقتل عطشاناً بأرض كربلاء”

جاء رجل اعرابي إلى المدينة المنورة، فسأل عن أكرم الناس فيها، فأرشده الناس إلى دار الإمام الحسين(ع) وعندما دخل دار الإمام وجده في محرابه يصلي، فأنشأ الرجل قائلاً:

لم يخب اليوم من رجاك ومن      حرّك من دون بابك الحلقة

وأنت جواد  وأنت  معتمد          أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من اوائلكم           كانت علينا الجحيم منطبقة

وعندما فرغ الإمام(ع) من صلاته التفت إلى قنبر وقال له: هل بقي من مال الحجاز شيئ؟ قال قنبر: نعم، أربعة آلاف دينار، فقال(ع): هاتها فقد جاء من هو أحق بها منّا، فحملها بيده وناولها الأعرابي من خلف الباب كيلا يرى ذل السؤال في وجه السائل، ثم أنشأ(ع) يقول:

خذها  فإني   إليك    معتذر        وأعلم بأني عليك ذو شفقة

لكن ريب  الزمان  ذو  غير     والكف  مني  قليلة   النفقة

فأخذها الأعرابي وبكى، فقال له(ع) لعلك اسقللت ما أعطيناك؟

قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك.

وقد جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال له(ع):يا أخا الأنصار..صن وجهك عن بذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإني آتٍ فيها ما سارّك إن شاء الله.

فكتب له: يا أبا عبد الله..إن لفلان عليَّ خمسمائة دينار، وقد ألحّ بي، فكلّمه ينظرني إلى ميسرة، ولمّا قرأ الإمام الحسين(ع) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار وقال له: أمّا خمسمائة فاقض بها دَينك، وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة، إلى ذي دِين أو مروة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، وأما ذو المروة فإنه يستحي لمروته، وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.

ومن جملة الأحداث التي تُبرز لنا واقع الحسين وتكشف عن شخصيته العظيمة ومكانته العالية عند الله تعالى وهو أنه عندما تجمّع جيش يزيد في كربلاء لقتال الإمام الحسين(ع) تقدّم رجل من أعوان يزيد يُدعى عبد الله بن حوزة التميمي وصاح قائلاً: أفيكم حسين، وقد كرر ذلك مرتين، فأجابه أصحاب الإمام الحسين رضوان الله عليهم: هذا هو الحسين، فماذا تريد منه؟

فقال بن حوزة: يا حسين  أبشر بالنار، فقال(ع):كذبتَ، بل أقدم على رب غفور كريم مطاع شفيع، فمن أنت؟ فقال: أنا ابن حوزة، فرفع الإمام الحسين(ع) يديه نحو السماء وقال:أللهم حزه إلى النار، فغضب ابن حوزة من دعاء الإمام الحسين عليه، وأقحم فرسه باتجاه الإمام، فسقط عن الفرس وعلقت قدمه بالركاب، وجالت به الفرس حتى انقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقي جانبه الآخر معلقاً بالركاب، يضرب به الفرس كل حجر حتى هلك.

قال رجل يدعى مسروق بن وائل الحضرمي: كنت في أول الخيل التي تقدمت لحرب الحسين لعلّي أصيب رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد، فلما رأيت ما صُنع بابن حوزة عرفت أن لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله، فتركت الناس وقلت:لا أقاتلهم فأكون في النار:

وبعد أن اجتمع الجيشان في كربلاء وأوشكت الحرب أن تبدأ أمر الإمام الحسين(ع) بتقريب الخيام بعضها من بعض وحفر خندق خلفها كي يحفظ المخيم وتكون مقاتلة الأعداء من جهة واحدة، وبذلك يأمن المعسكر الحسيني  هجوم الأعداء من الخلف، ثم أمر الإمام(ع) بجمع الحطب وإلقائها في الخندق وإضرام النار بها كيلا يتمكن العدو من اجتياز الخندق.

وفي صبيحة يوم عاشوراء نادى الشمر قائلاً: يا حسين لقد تعجلت بالنار قبل يوم القيامة، فأجابه رجل من أصحاب الإمام الحسين وقال له: صه أيها اللعين أولا تستحي أن تقول هذا الكلام لابن رسول الله(ص) أنت أولى بالنار صليا.

وقال مسلم ابن عوسجة: يابن رسول الله..جُعلت فداك أأرميه بسهم فإنه قد أمكنني وليس يسقط سهم مني؟

فقال الإمام الحسين(ع): لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم.

لقد كانت ليلة عاشوراء أسوأ ليلة على الإسلام والمسلمين لأنها الليلة الأخيرة من حياة الحسين وأصحابه، وأما في نظر الإمام والأصحاب فلقد كانت أسعد ليلة لديهم لأنهم عند الصباح سوف ينالون شرف الشهادة بين يدي الإمام الحسين(ع) وسوف يلقى الحسين جده وأباه وأمه وأخاه.

وفي تلك الليلة جمع الحسين أصحابه فقال لهم بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله: أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي، وقد أخبرني جدي رسول الله(ص) بأني سأساق إلى أرض كربلاء، وفيها أستشهد…أنتم في حلٍّ مني، وهذا الليل قد غشيكم، وإن القوم ليطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.

لقد خيّر الإمام الحسين(ع) أصحابه مرات عديدة بين البقاء معه أو الرحيل عنه، وقد قال لهم إن هذا الليل، أو الظلام، قد حلّ فاتخذوه جملاً، ولكنهم أصروا على البقاء معه، وكان كلما طلب منهم الرجوع إلى الوطن أجهشوا بالبكاء.

لقد قال كلامه هذا مع أصحابه للمرة الأخيرة حيث كان بين كلامه واستشهادهم ساعات معدودة.

وعندما سمع الأصحاب كلام إمامهم هذه المرة سيطر عليهم السكوت المرفق بنظرات الأسى والحزن والحيرة، ولكنهم سرعان ما أجابوا الإمام الحسين(ع).

فقام العباس(ع) وقال: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً، وقد ردد كل الهاشمين هذا الكلام فالتفت الحسين(ع) إلى بني عقيل وقال: حسبكم من القتل بمسلم، إذهبوا قد أذنت لكم، فقال بنوا عقيل: لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتى نرد موردك.

ثم قام مسلم ابن عوسجة وقال: أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك، فوالله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.

ثم قام سعيد ابن عبد الله وقال: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمت أني أُقتل ثم أحيا ثم أُحرَق حياً…يُفعَل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك.

ثم وقف زهير ابن القين وقال: والله وددت أني قُتلت ثم نُشرتُ ثم قُتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وفي تلك الحال قيل لمحمد ابن بشير الحضرمي: قد أُسر إبنك، فقال له الإمام(ع) أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ولدك، فقال الحضرمي: لا والله لا أفعل ذلك، أكلتني السباع حياً إن فارقتك، فناوله الإمام(ع) بعض القطع من اللباس ليعطيها إلى من يمكنه العمل على فكاك ولده، ثم التفت الإمام(ع) إلى أصحابه وقال: غداً أُقتَل، وككلكم تُقتَلون معي ولا يبقى منكم أحد، فأجابه الأصحاب الكرام: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله.

ثم قام القاسم ابن الحسن وقال: أفسأكون أنا من القتلى يا عم؟ فقال له الإمام(ع): كيف ترى الموت يا قاسم؟ فأجابه القاسم: أحلى من العسل، فقال(ع):فاعلم بأنك ستقتل غداً.

إن جميع هذه الأحداث تكشف لنا الكثير عن إمامنا الحسين(ع) الذي منّ الله به علينا فكان أبرز معالم الخير في البشرية وكانت ثورته أعظم ثورة في التاريخ.

فبعد استشهاد أمير المؤمنين علي(ع) انتقلت الخلافة الشرعية إلى الإمام الحسن المجتبى الذي سار بسيرة أبيه وجده، وعلى ذكر هذا الإمام العظيم تجدر الإشارة إلى دوره البارز في إنجاح ثورة أخيه الحسين فإن كثيراً منا يظلمون الإمام الحسن عندما يهمشونه عند حديثهم عن ثورة كربلاء مع أنه أقرب ممهد لها.

فقد يطرح بعضهم سؤالاً فيقول لماذا لم يقم الإمام الحسن بن علي بثورة مثل ثورة كربلاء؟

في الواقع إن الجواب على هذا السؤال طويل ودقيق وهو يحتاج إلى جملة من المقدمات.

إن هذا السؤال لا يختص بالإمام الحسن فلماذا لا نسأل لماذا لم يقم علي أو رسول الله بتلك الثورة؟

في الحقيقة إن لكل معصوم دوراً خاصاً ووظيفة خاصة، وربما كانت وظائفهم متشابهة بل هي كذلك من حيث المبدأ لأن رسالتهم واحدة ونهجهم واحد ولكن هناك اختلاف في بعض السلوكيات التي كان يُشتهر بها كل واحد منهم دون الآخر والتي بسببها أُطلقت عليه تسمية خاصة كسيد الساجدين والصادق والباقر وإن كان يصح أن يُطلق على الأربعة عشر معصوم جميع صفاتهم، يمكن أن نطلق على الإمام الحسين أنه صادق وباقر وسيدٌ للساجدين وهكذا.

فالإمام الحسن(ع) لم يكن بعيداً عن أجواء كربلاء وهو الذي مهّد لها بصلحه الشهير مع معاوية بن أبي سفيان، معاوية الذي سلط سمومه المعنوية على الإمام الحن قبل أن يسلط عليه جعدة لتسمه فلقد أراه السم مراراً بعد أن قتل أباه الإمام علياً غيلة على يد عبد الرحمن بن ملجم من أجل أن تفرغ الساحة أمامه ليتحكم في رقاب الناس، فلقد ظن معاوية بأنه إذا قتل علياً طاب له العيش على عرشه فلم يكن يعرف بأن الحسن كعلي في الشجاعة والموقف.

ثم من قال إن الإمام الحسن قعد جليس داره، الإمام الحسن ثار ضد معاوية وحكمه الظالم وهيأ جيشاً عظيماً عدّ بعشرات الآلاف لمقاتلة معاوية الذي قُض مضجعه من ذلك الجيش الذي لم يكن لمعاوية أن يواجهه عسكرياً لأنه سوف يُهزم من دون شك فراح يستعمل أساليبه الشيطانية في استمالة جيش الحسن إليه عبر الإغراءات بالذهب وهو صاحب المقولة الشهيرة: لأستملين بالدنيا ثقات علي حتى تغلب دنياي آخرته: فأعطى قائد جيش الحسن مبلغاً كبيراً من المال حتى يفكك الجيش ويذهب بتلك المعنويات العالية التي كانت موجودة عندهم فاقترح الصلح المزعوم ليوهم الناس بأنه أخذ البيعة من الحسن، والأمر غير ذلك من دون شك فإن مثل الحسن لا يبايع مثل معاوية كما أن مثل الحسين لا يبايع مثل يزيد.

فعندما طُلب من الإمام الحسين أن يعلن البيعة ليزيد أثناء وجوده في المدينة المنورة أجابهم بقوله:ويزيد هذا رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله:

وكذا الحال لدى الإمام الحسن الذي فُرض عليه التنازل لمعاوية فكان جوابه لمعاوية كجواب الحسين ليزيد من دون فرق سوى باللفظ.

فسؤالنا لماذا لم يقم الحسن بن علي بثورة أنا أعتبره طعناً في علم وحكمة أهل البيت(ع) فلقد خُط بالقلم أن يكون الإمام الحسين هو قائد ثورة كربلاء وإلا فإن التحرك العسكري من قبل الإمام الحسن كان جزءاً من ثورة الحسين ولكن شاءت حكمة الله تعالى أن تبدأ الثورة العسكرية على يد خامس أصحاب الكساء.

وتجدر الإشارة إلى نقطة حساسة وهي أنه لا يجوز لنا أن نحكم على أهل اليت فيما يقولون ويفعلون لأنهم معصومون عن الخطأ فما من فعل أو قول وإن كان ظاهره مستغرباً يصدر عن واحد من المعصومين وجب الإعتقاد بأن هناك مصلحة للأمة من وراء قوله أو فعله، وإلا فإن صلح الإمام الحسن لم يكن فيه انتقاص من شأن الدين والأمة وحتى أنه لم يكن فيه ضرر على فرد من الأفراد بل كان فيه المصلحة للجميع وإن لم يدرك بعضهم تلك المصلحة.

ويجب على الجميع أن يعلموا بأن مفهوم الصلح شيء ومفهوم المبايعة شيء آخر فهما أمران مختلفان تماماً ويمكن لنا إدراك ذلك من خلال الشروط التي وضعها الإمام الحسن في ذلك الصلح والتي أخلف معاوية بها فلو كان معنى الصلح كمعنى المبايعة لصنع الحسن ما صنعه الحسين ولا يبايع مهما كانت الظروف قاسية حيث لا يوجد ظرف أمر من مبايعة مثل معاوية أو يزيد حتى ولو سفكت الدماء تماماً كما حصل في كربلاء.

فمن لم يعرف الإمام الحسن عليه أن يعرفه جيداً ويقرأ سيرته الصحيحة وإلا فإن كثيراً من الناس يظلمون الحسن بقصد أو بغير قصد، وأنا هنا أحمّل المسؤولية للخطباء الذين يجب عليهم أن يبينوا تلك الوقائع والحقائق كيلا تبقى الشبهات حاكمة على عقولهم ومسيطرة على قلوبهم.

إن كل ما صنعه الإمام الحسن منذ لحظة توليه شؤون الأمة وحتى لحظة استشهاده إنما كان تمهيداً لثورة أبي عبد الله الحسين.

لقد عانى الحسن كثيراً من أجل أن يهيأ أرضية ملائمة للقيام بالثورة وأنا أرى بأن تهميش ذكر الحسن من كلامنا حول ثورة كربلاء هو ظلم كبير له لأنه أحد أبرز المؤسسين والممهدين لها، ولهذا ينبغي أن نفرد محاضرة عما صنعه الإمام الحسن(ع) من أجل إنجاح ثورة كربلاء.

 

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى